هل ترتفع أسعار النفط وسط تصاعد المخاطر الجيوسياسية والمخاوف من تباطؤ اقتصاد العالم؟
اطلع على التوقعات حول إمكانية ان ترتفع اسعار النفط وسط تصاعد المخاطر الجيوسياسية. تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات متزايدة في ظل مواصلة اسرائيل غاراتها الجوية علي مواقع فى جنوب لبنان، ولا تؤثر هذه التطورات بشكل مباشر على الصراع الدائر فحسب، بل إنها تثير أيضًا مخاوف أوسع نطاقًا بشأن استقرار المنطقة.
وباعتبار الشرق الأوسط منطقة رئيسية لانتاج النفط، فإن أي تصعيد فى الصراع قد يؤثر بالسلب على الامدادات النفطية مما سيؤثر بشكل مباشر علي أسعار النفط العالمية، وفي هذا السياق، يشير تحليل الخبراء إلى أن استمرار تلك التوترات يزيد من احتمالات حدوث صدمة فى الامدادات مما يجعل السوق أكثر عرضة لتقلبات حادة في الأسعار.
ومن جهة أخري، فإن تزايد المخاوف من الاضطرابات المحتملة في إنتاج النفط الأمريكي بسبب العواصف المدارية المتوقعة التي تزيد من حالة عدم اليقين، مما يدعم الزيادات في أسعار تداول النفط في الأمد القريب، ويمكن القول بأن مزيجًا من الاضطرابات الجيوسياسية والعوامل المرتبطة بالطقس يخلق بيئة غير مواتية لسوق النفط.
وهناك عامل آخر يساهم أيضًا في ارتفاع أسعار النفط وهو بيانات مؤشر مديرى المشتريات الأمريكي الذي سجل ارتفاعًا بنحو 0.50% وهو علامة إيجابية، تعكس تحسن النشاط الاقتصادى وزيادة الطلب علي السلع الأساسية، بما فى ذلك النفط، من ناحية أخرى، شهدت أوروبا انخفاض حاد فى النشاط الاقتصادى بناءً على بيانات مؤشر مديرى المشتريات، مما قد يشير إلى تراجع مستوي الطلب علي النفط فى المنطقة.
وتشير بيانات السوق الأخيرة إلى تباين واضح بين الاقتصادات الكبري، ويبدو أن الولايات المتحدة تسير نحو تحسن اقتصادى نسبى، في حين تتعرض أوروبا لتحديات كبيرة، ويؤثر هذا التفاوت فى الأداء الاقتصادى بشكل مباشر على الطلب العالمى علي النفط وقد يؤدي إلى توقعات أسعار متضاربة خلال الفترة القادمة.
ومن بين العوامل الأخري التى تعزز أسعار النفط التراجع الملحوظ فى حجم النفط الخام العالمي المخزن على الناقلات، حيث انخفض حجم النفط الخام المخزن لسبعة أيام علي الأقل بنحو 12% ليصل إلي 56.31 مليون برميل، ويعكس هذا زيادة الطلب علي النفط وانخفاض المعرض المتاح فى السوق العالمي.
وتعزز هذه البيانات من احتمالات زيادة أسعار النفط علي المدي القصير، ويشكل انخفاض النفط المخزن مؤشراً علي أن السوق من المتوقع أن يواجه نقصاً في المعروض، خاصة فى ظل المخاطر والاضطرابات الجيوسياسية الحالية، ومع ذلك، فإن استمرار الاتجاه الصعودي للأسعار سيعتمد إلى حد كبير على التطورات فى منطقة اخبار الشرق الأوسط والقرارات التى قد تتخذها أوبك بلس خلال الفترة المقبلة.
وتتزامن هذه العوامل مع محاولات الدولار الأمريكي الأخيرة للاستفادة من انتعاشه بعد تخفيض سعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطى الفيدرالى.
ومع التوقعات المتزايدة بخفض سعر الفائدة يمكننا القول بأن ضعف الدولار الأمريكي سيعزز من الطلب علي السلع المدعومة بالدولار مثل النفط، وبالتالي تعزيز أسعار النفط، بالإضافة إلي ذلك، أثبتت بيانات مؤشر مديرى المشتريات في الولايات المتحدة أنها أكثر مرونة عند المقارنة بأوروبا والمملكة المتحدة، الأمر الذي يعزز جاذبية النفط فى الأسواق الأمريكية، ومع ذلك، يحذر الخبراء بشأن استمرار الاتجاه الصعودى، فعلى الرغم من أن الظروف القائمة قد تعزز من سعر النفط إلا أن التوقعات الإقتصادية العالمية غير المؤكدة (وخاصة فيما يتعلق بالصين والتي تعتبر أكبر دولة مستوردة للنفط فى العالم) قد تمارس ضغوطًا هبوطية كبيرة على الأسعار.
كيف تؤثر التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على قطاعات أخرى؟
لم تؤثر التوترات الجيوسياسية على أسعار النفط فحسب بل أثرت الأزمة أيضًا على قطاع الشحن حيث ارتفعت أرباح ناقلات النفط منذ التصعيد الأخير، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن إيران أعادت تموضع بعض سفنها بعيدًا عن محطة تحميل النفط الرئيسية، مما يعكس الحذر المتزايد وسط التوتر المستمر.
تتزايد المخاوف أيضًا بشأن إمكانية رد إيران على أي انتقام إسرائيلي باستهداف البنية التحتية للطاقة في الدول المجاورة أو تعطيل طرق الإمداد، أثار البعض إمكانية شن هجوم على أذربيجان وهي حليف إسرائيل المنتج للنفط والذي هددته إيران في الماضي، وحذرت شركة Clearview Energy Partners من أن أي تعطيل كبير لحركة المرور عبر مضيق هرمز الحرج الذي قد يدفع أسعار النفط الخام إلى الارتفاع بمقدار 13 إلى 28 دولار للبرميل.
لقد أدى هذا التوتر الجيوسياسي إلى ارتفاع الأسعار بناءً على ما قد يحدث في المستقبل، تخطط أوبك بلس لاستعادة بعض طاقتها المغلقة في ديسمبر، بينما استأنفت ليبيا الإنتاج بعد حل المواجهات السياسية، وعلى الرغم من الارتفاع قصير الأجل، اقترح محللون أن السوق لا تزال محدودة بسبب احتفاظ أوبك بلس بطاقة فائضة كبيرة، حاليًا عند حوالي ستة ملايين برميل يوميًا، يمكن أن تضع هذه الطاقة الفائضة ( إذا تم استعادتها) سقفًا لمزيد من ارتفاع الأسعار باستثناء أي تصعيد جيوسياسي كبير.
إلى أي مدى يجب أن أشعر بالقلق إزاء ارتفاع أسعار النفط؟
مع اتساع رقعة الصراع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يتم مراقبة ارتفاع أسعار النفط عن كثب، نظرًا لأن تكلفة النفط تؤثر على كل شيء بدءًا من سعر المواد الغذائية في السوبر ماركت إلى تكلفة ملء خزان سيارتك.
ارتفع سعر النفط الخام بنحو 10% في الأسبوع الماضي المنتهي في 4 أكتوبر الجاري ليصل خام برنت عن سعر 80 دولار للبرميل تقريبًا مع تصاعد الصراع، قد يبدو هذا قفزة كبيرة، لكن سعر النفط الخام يميل إلى التقلب، ففي أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا وصل سعر برميل خام برنت القياسي إلى ما يقرب من 130 دولار.
يأتي ارتفاع سعر النفط في الوقت الذي بدأت فيه العديد من الدول في التعافي من الارتفاع الحاد في أسعار النفط بعد جائحة كوفيد 19 وحرب روسيا في أوكرانيا، إذن، إلى أي مدى يجب أن نشعر بالقلق؟
يعتبر النفط الخام مكونًا رئيسيًا في البنزين والديزل مما يعني أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في المضخات عندما وصلت للتو إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاث سنوات، فإذا تأثرت شركة تقوم بتسليم السلع مثل المواد الغذائية بارتفاع تكاليف الوقود، فمن المرجح أيضًا أن ترفع أسعارها، ويمكن بعد ذلك تمرير هذه التكاليف المتزايدة إلى المتاجر الكبرى التي تبيع المواد الغذائية للمستهلكين وبالتالي ترتفع تكاليف المعيشة.
فعلي سبيل المثال: حذر محافظ بنك انجلترا “أندرو بيلي” مؤخرًا من أن الصراع في الشرق الأوسط قد يكون له تأثير “خطير للغاية” على المملكة المتحدة، وقال بيلي إنه يراقب التطورات “عن كثب”، يأتي هذا في الوقت الذي أشار فيه إلى أن أسعار الفائدة في طريقها إلى الانخفاض، وأن آفاق المملكة المتحدة بشأن التضخم (الذي انخفض بعد ارتفاعه بسبب أسعار النفط والغاز المرتفعة في عام 2022) تبدو أكثر إشراقًا.
ولكن حتى الآن فإن ارتفاع الأسعار إلى نحو 80 دولار للبرميل ليس الوقت المناسب لدق أجراس الإنذار، فإذا لم يتحقق “أسوأ سيناريو” لمزيد من التصعيد، فمن المرجح أن تتراجع أسعار النفط بسرعة كبيرة، كما تقول “كارولين باين” كبيرة خبراء اقتصاد السلع الأساسية في كابيتال إيكونوميكس.
إيران هي سابع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، حيث تذهب نصف صادراتها إلى الصين، وإذا تعطلت الإمدادات فقد تلجأ الصين إلى روسيا.
لكن باين تحذر من أن الأسواق “متوازنة بشكل جيد”، وإذا تصاعد الصراع فإن “إخراج مورد متوسط الحجم مثل إيران من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار”، وتقول إن هناك “قدرة أكثر من كافية” على مستوى العالم لتغطية الفجوة إذا فقدت إيران الإنتاج، ولكن هناك سؤال حول أين ستقع “ولاء” المملكة العربية السعودية باعتبارها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم وما إذا كانت ستزيد أو تحد من إنتاجها.
إذا قررت إسرائيل مهاجمة قطاع النفط الإيراني، فإن ارتفاع سعر خام برنت قد يزيد من تكلفة ملء المضخات “بسرعة كبيرة”، ومثل هذا السيناريو قد يهدد التضخم العام في العديد من دول العالم والذي قد يؤثر بدوره على أي قرارات البنوك المركزية العالمية تجاه خفض أسعار الفائدة.
ومع ذلك، فإن التأثير المباشر لإنتاج النفط الإيراني ليس هو الشاغل الوحيد، فهناك خطر يتمثل في أن أي تصعيد في المنطقة قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز وهي قناة ضيقة نسبيًا تمر عبرها كمية هائلة من حركة ناقلات النفط والتي تمثل حوالي ثلث إجمالي النفط المنقول بحراً، وهو أيضًا المسار الذي يتم من خلاله نقل خمس الغاز الطبيعي المسال وهي سلعة أصبح العالم يعتمد عليها بشكل أكبر منذ فرض العقوبات على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا، وتعتمد آسيا بشكل كبير على تدفق النفط والغاز من الخليج العربي، وبالتالي فإن التأثير الفوري للتصعيد سيكون كبيرا.
إن تعطيل شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر وهي أحد أكبر المصدرين في العالم، من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز وهو ما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع فواتير الغاز والكهرباء المنزلية، وكما هو الحال مع النفط، فإن أسعار الغاز تتسرب إلى أسفل سلاسل التوريد، مما يؤثر على تكلفة جميع السلع تقريبا، لكن الخبراء يعتقدوا أن خطر إغلاق المضيق نتيجة للصراع ضئيل.
في نهاية المطاف، تظل التوقعات متفائلة نسبيًا بشأن ارتفاع أسعار النفط في الأمد القريب، بدعم من التوترات الجيوسياسية وتراجع المخزونات، وبرغم ذلك، قد يكون الاتجاه الصعودي محدودًا بالمخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي وخاصة فى أوروبا والصين، لهذا السبب، يجب على المتداولين توخي الحذر قبل اتخاذ مواقف طويلة أو متوسطة الأجل بشأن زيادة الأسعار.
ومن الأهمية بمكان أيضًا مراقبة التصريحات الصادرة عن أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصى فى الولايات المتحدة عن كثب للحصول علي اشارات أكثر واضحة تجاه مستقبل السياسة النقدية ومدي تأثيرها علي النفط، وقد تظل الأسعار تحت ضغط متزايد بسبب الاضطرابات الجيوسياسية والمخاوف الإقتصادية العالمية، وهذا يجعل من الصعب التوقع بمسارها على وجه اليقين على المدى المتوسط والطويل.